في هذه المقابلة يلقي الكاتب المعارض والمشهور بلال فضل الضوء على الطريقة التي أسهم بها المفكرون والمنشقون في الخطاب الثوري والخطاب المضاد للثورة.تتضمن المقابلة أدناه خمسة أجزاء تستطيعون أن تنقروا على كل منها بشكل منفصل.
بلال فضل
بلال فضل كاتب مصري ولد في القاهرة عام 1973. سبق و أن عمل محررا وكاتبا في كبريات الصحف المصرية والعربية. كتب عشرات السيناريوهات لمسلسلات وأفلام مصرية و لديه العديد من الكتب آخرها
"فتح بطن التاريخ" (دار الشروق 2014).
مقابلة مع بلال فضل
حاوره سنان أنطون
صاغها باللغة العربية الفصحى: أسامة اسبر
سنان أنطون: نريد أن نسألك أستاذ بلال فضل عن وجودك في أميركا، هل أنت مهاجر أم هي زيارة لها حيثياتها وتأثيرها على مشاريعك الكتابية؟
بلال فضل: بوسعك القول إنني مسافر، فقد أتيت في رحلة عمل لمدة عامين، كان هذا حلماً قديماً أن أدرس مسرحاً وأكتب مسرحاً لكن هذا تأجل كثيراً بسبب المشاغل والارتباطات. انقطع رزقي في مصر بشكل أو بآخر ـ ويمكن أن نتكلم عن هذا فيما بعد بالتفصيل ـ وواجهت مشكلة بعد منع مسلسل "أهل اسكندرية"، وهي أن كل مشاريعي تقريباً توقفت فرأيت نفسي في فترة بطالة، ولدينا مثل يقول "إن اليد البطالة نجسة"، فقررت أن أستغل الفرصة وأستجيب لفرصة العمل هنا، وفعلاً أنا أعمل حالياً علي مسرحية من المفروض أن تُترجم إلى الإنكليزية فيما بعد، وفي الوقت نفسه أعمل كمراسل ثقافي وفني لموقع التقرير وموقع العربي الجديد الذي أكتب فيه. هناك أشخاص ينطبق عليهم وصف مهاجر لكنني أحب وصف مسافر لمدة سنتين. الله يعلم ما الذي يمكن أن يحدث بعد ذلك.
سنان أنطون: هل يمكن أن تحدثنا قليلاً عن المسرحية من أجل المستمعين؟
بلال فضل: لا أستطيع أن أخبرك عن الفكرة لأنها هذا يولد حظاً سيئاً ولم يترك أولاد الحرام لأولاد الحلال أي شيء، لكن بالتأكيد أعرف أن كل مستمع لموقعكم هو من أولاد الحلال. لكن هذا لا يمنع تسرب أحد أولاد الحرام. لكن بوسعك القول إنها عن تجربة شخصية حصلت معي في ريف ولاية أميركية في الشرق وهي كونتيكت. أنت تعرف أنه في طريق الريف بين نيويورك وبوسطن هناك موتيلات صغيرة وهي تكون عبارة عن بيت فيه صاحب البيت وزوجته وطباخ وعاملة، إلخ ومعهم شخصيات وأنا منها، أي بطل المسرحية. وهي تجربة حقيقية حين رويتها للأصدقاء أعجبوا بها، تتوفر فيها عناصر المسرح إذ يوجد مكان واحد يجمع الشخصيات، فحتى تأديتها على خشبة المسرح ممكنة. هذه أول تجربة لي في المسرح وهو حلم قديم بالنسبة لي منذ أن كنت ممثلاً في المسرح في الجامعة لكن هذه أول مرة أكتب مسرحية بعد أن كتبت أعمالاً سينمائية وتلفزيونية. وعندي أمل كبير بأنها ستحقق نجاحاً.
سنان أنطون: بعد أيام ستمر ذكرى الثورة في مصر. أعرف أن هذا سؤال صعب جداً ولكن ما الذي يعتمل في نفسك في هذه الأيام باعتبارك من الذين عاشوا وشاركوا وكتبوا عن الثورة وآمالها وطموحاتها وكتبوا عن خسوفها إن صح التعبير أيضاً؟
بلال فضل: إن تعبير خسوف تعبير مؤلم لكنه دقيق، أنا أفضّله على تعبير الهزيمة الذي يستخدمه الناس باستسهال. أنت تعرف أن في علم النفس يتعجل المرء أحياناً الهزيمة كي يريح نفسه، كي يعفي نفسه من مرارة الحرب والدخول في المعارك فيقرر إعلان الهزيمة من طرف واحد، وهذا اختيار إنساني، وأنا لست مع من يقول الكلام التافه بأن اليأس خيانة. إن اليأس شعور إنساني طبيعي، والإحساس بالهزيمة شعور طبيعي لا بد من احترامه، ولكن إذا تكلمنا بشكل دقيق إن تعبير الخسوف أو الانحسار هو تعبير أدق، لأنني أرى أن هزيمة الثورة يتم إعلانها في حال تمكنت الثورة المضادة من صناعة خطاب يحل مشاكل اللحظة الراهنة أو يعد بحلها. وحين تتجرد من مشاعرك أو ملابسك وتراقب ما يحصل في مصر ستجد أن الثورة المضادة بأشكالها المتعددة سواء قبل وصول الإخوان إلى الحكم أو ما بعد خلع مرسي من الحكم، كل الخطاب الذي تعلنه هو خطاب إما يتمسح بالثورة أو يحاول تفكيكها من الداخل عبر خلق سرديات من نوعية: أنها كانت ثورة طاهرة وشريفة لكن الإخوان سرقوها. أو كانت ثورة رائعة أو جميلة لكن الغرب تآمر عليها أو دخل فيها. أو حتى الخطابات التي يرددها الإخوان وهي أن الدولة العميقة هي التي فعلت كل المصائب من غير أن تعترف بأخطائها، أو حتى الخطاب الذي يطرحه الثوار عن المؤامرة من غير أن يمارسوا نقداً ثورياً. إن كل الخطاب المطروح في الساحة لم يتجاوز ثلاثة شعارات رئيسية طرحتها يناير وهي: عيش، حرية كرامة إنسانية، أو حرية، كرامة، عدالة اجتماعية. بالتالي، حتى هذه اللحظة لا يمكن علمياً أو عمليا أن نقول إن الثورة المصرية انهزمت. بالعكس أنا أرى ما يحصل الآن على يدي عبد الفتاح السيسي يعمق أسباب الثورة، و يحدث هذا أيضاً كلما حصلت حوادث بسيطة مثل بالمصادفة أمس قُتل شابان أخوان في السويس، وهما بطلا مصارعة، قتلهما ضابط شرطة برصاصة واحدة. انفجرت الأحداث في السويس وتبين أن كل الكلام عن تحالف الناس مع الشرطة أو أن الناس رضخت للشرطة، غير حقيقي، ليبدو للناس أن الأمور مرشحة في كل دقيقة للانفجار، يجب أن يدرك حتى القائمون على الثورة المضادة أن خلاصهم وخلاص مصالحهم نفسه يكمن في التشبث بأهداف الثورة. في الحقيقة إن الثورة المصرية فيها ميزة وفيها عيب، فيها كل مزايا الفرص الأخيرة وكل عيوب الفرص الأخيرة، بمعنى يجب أن يُدرك المستفيدون من الأوضاع القائمة كالقضاة وضباط الشرطة ووكلاء النيابة أنه لا بد من تغيير طريقتهم في الحكم، ولا بد أن يكفوا عن نظرية كل شيء أو لا شيء التي حكموا بها البلد في الستين سنة الماضية. يجب أن يحصل وضع من التفاوض بين جميع أطراف اللحظة.
لدينا تعبير في العامية المصرية هو تعبير عبقري جداً يقول “كل بسْ ما تحفّش”، حين تأكل لا تأخذ اللقمة وتدخل يدك وتأخذ قعر الطبق، “كل ولكنْ بالراحة”. المطروح الآن في مصر هو أن الناس يُقال لهم “كلوا ولكن لا تحفوّش”، امنحوا فرصة للناس كي تعيش ويمكن أن تحققوا هذا، لا أريد التفرع كي أتيح لأسئلتك المجال. فبعد كل الدماء التي سالت يفرض الواقع شعارات وحتى أفكاراً جديدة. فبعد الثورة مباشرة ما كان مطروحاً هو فكرة القصاص، أما الآن فلم يعد لكلمة القصاص مكان. ذلك أن الجميع تورطوا في القتل، ما عدا الثوار طبعاً، أقصد أن الأخوان قتلوا أشخاصاً والشرطة قتلت أشخاصاً، والجيش قتل أشخاصاً، فإذا كنت ستقتص فإن الشعب كله سيقتص من نفسه ولن يبقى إلا خمسين نفراً على قيد الحياة، لكن يجب الإصرار على فكرة العدالة الانتقالية وفكرة المصالحة والحقيقة وفتح أبواب لعدم تزييف الحقائق، أي أن يقوم كل شخص بدوره بشجاعة ويتحمل نصيبه من المسؤولية بشجاعة ثم بعد ذلك نتكلم عن فكرة العدالة، وأن نتيح الفرصة للتصالح والمسامحة. إن المشكلة هي أن التفكير المصري القائم يريد أن يقفز على المصالحة بدون الحقيقة بالتالي تكون مصالحة كاذبة وتكون بالتالي مثل المصالحة اللبنانية والتي هي تبويس لحى، وكل فترة تنفجر الأوضاع ويسألك الناس ما الذي حصل؟ ما حصل هو أنه لا يوجد حقيقة، كلكم كذابون وقتلة وتتصالحون في لحظة من اللحظات ثم حين تنفجر الأوضاع، تسألون ما الذي حصل؟
اضغط/ي هنا للاطلاع على النص الكامل للمقابلة.